الخميس، ٢٦ أبريل ٢٠٠٧
فلسفيــــــات أميــــــــــر
ذات يوم كنت أسيرُ في الطرقات وإذ بي أرى قطةً تبحثُ عن قوتِ يومها في أكوام القمامة التي ألقى بها الناسُ في شوارعنا التي كانت في يومٍ من الأيامِ نظيفة , و لأن سيري كان في طريقها أحسّت بي هذه القطة وإذ بي أراها تجري مرتعدةً بعيداً عن ذلك الطعام الذي ربما كانت في أشد الحاجة إليه , انتبهتُ لذلك الفعل لعلمي بأن يدي لم تكن لتمتد لها بسوءٍ فتعجبتُ وتسائلتُ في ذات الوقت لما أقدمت هذه الهرّة الصغيرة على ترك طعامها ولاذت بالفرار حينما شعرت بخطواتٍ تقتربُ منها , ولن أدع هذه الخطوات لنفسي إذ أنه ليس هناك سابقُ عداءٍ بيني وبين هذه القطة أو غيرها حتى تفر حين تراني ولكن الهروب كان من تلك الخطوات التي اعتادت أن ترى الناس تمشي بها , إذاً فهي قد فرّت من الإنسان في شخصي .
وهنا طرحتُ سؤالي هل كان خوف هذه القطة غريزةً في تكوينها وهي أن تهرب من كلّ من كبر عنها حجماً أو تجاوزها قوةً أم أنّه شعورٌ قد ولدته ظروف الحياة التي عاشت بها وأبصرت من خلالها هذه الدنيا .
ثمّ وجدتُ الأفكار تتوارد إلى ذهني تباعاً لتعطيني جواباً لما سألت .
وجدتُ نفسي أتذكرُ حدثاً مماثلاً وهو أنّي كنتُ أسيرُ مع اثنين من أصدقائي في إحدي الطرقات وإذ بقطةٍ صغيرةٍ تمشي بجوارنا وما إن حنّ عليها أحدُ أصدقائي وأمسكها بعطفٍ إلا وأصبحت رابعُ ثلاثةٍ تسيرُ معنا طولَ الطريق وكأنها قد وجدت لنفسها من تقضي معهم هذه النزهة , فتذكرتُ من ذلك الحادثُ جرأةً لم أعهدها في القطط من قبل إلا في تلكمُ القطط التي كان يرعاها أعمامي وكنت أداعبهن وألاعبهن ولا يخفن منّي على الإطلاق .
ثمّ تتابعت الأفكار فتذكرتُ مواقفاً لصغارٍ يلهون ويلعبون ولا يهابون شيئاً إلا ما ردعناهم عنه , فإذا وضعت كوباً به أي مشروب ساخن أمام أحد الأطفال ستجدُ أول ما يفعله هوه أن يمد يده إليه مستكشفاً ذلك الشيئ الذي أمامه ولكن ما إن أحس بحرارته إلا وابتعد كل البعد عنه لنجد قطراتٍ من الماس تهبط من حوراء عيونه لما قد سببه فضوله في معرفة الأشياء .
والآن جرّب أن تضع نفس الكوب ولو فارغاً أمامه وانتظر لترى ماذا يفعل , إنه لسوف يخشى حتى النظر إليه لما قد سبب له من ألم من قبل .
و من هذا نعلمُ أن الخوف هو شعورٌ يكتسبه المرء بل كل الكائنات ليس الإنسان فحسب وذلك جرّاء ما يراهُ من ردود أفعال على هذا الفعل الذي أقدم عليه أو حتى ما رآه على غيره فيتعلم حينها من أخطاء الآخرين .
وهنا قد أجبتُ على سؤالي ليتوارد بذهني سؤالٌ آخر ألا وهو :
ما هي دوافعُ الخوف وأسبابه ثمّ كيف يقهرُ الإنسان الخوف في أعماقه ؟
أجيبُ على سؤالي الثاني بالآتي :
يدفعُ الإنسان للخوف إما تجربة شخصية قد عانى من خلالها وأورثت في داخله شعوراً مستمراً بالخوف والرعب من تكرارها فيحاولُ دائماً الابتعاد عنها وعدم تذكرها , أو قد يكونُ الخوف ناتجاً عن حدثٍ قد رآهُ يحدثُ لغيره وكان ذو نتيجة مؤلمة على صاحبِ الحدث فيبرز هنا الخوف خشية حدوث هذا معه هو فيتألم مثلما تألم صاحب الحدث , وأخيراً قد يكون الخوف من شيء ما هو فكرةٌ متوارثة لها دوافعها وأسبابها المنطقية التي يقبل بها العقل فيخشى هذا الشيء دون وجود أي أحداثٍ تدفعُ إلى ذلك الخوف إلا تلك الفكرة , فمثلاً جميعنا يخشى الأسد وذلك لقوته وشراسته وعقول الجميع إلا قليلا منهم مقتنعة بهذه الفكرة ولهم أسبابهم فيما يملكُ الأسد من قوة وشراسة , وهنا يأتي الخوفُ من شيء أجمع غالبية الناس على وجوب الخوف منه لما رأته عقولهم من أسباب تدعو إلى ذلك الخوف .
فيما مضى ذكرتُ ثلاث حالات ملك فيها الخوف صدور من عاشوا فيها وأقول أنّه إن كان الخوف ناتجاً عن تجربةٍ شخصيةٍ مثلاً كطفلٍ أمسك بجمرةٍ من نار فاحترقت يداهُ فهذا الخوف من النار ما هو إلا خط دفاع جديد يكتسبه المرء بالتمرس والمعايشة مع هذه الدنيا ليتعلم من خلاله ما يصلح وما لا يصلح وليدرك ما يفعلهُ وما لا يفعله .
أما ولو كان الخوف شعوراً مقتبساً من شخصٍ آخر فذلك أيضاً - وإن وجب إعمالُ العقل فيه أولاً - فائدةٌ كبيرةٌ في التعلم من أخطاء الآخرين .
ثالثاً لو كان الخوف نتاج أفكار ومعتقدات ليس لها غير بعض الأدلة هنا لنا وقفة , لننظر إلى مثالنا الذي عرضتُ فيه هذه الفكرة سنجدُ أن الخوف هنا من الأسد ناتجٌ عن أسبابٍ منطقية وهي أنه يمتلك من القوة والشراسة ما يدفعه إلى مدُّ يد الأذى بمن اقترب منه ولكن أغفل الكثيرين شيئاً ألا وهو أن الأسد لا يصطاد وإنما يوكل هذه المهمة إلى أنثاه وهنا يتضح أن الخوف من الأسد بل وحتى من أنثاه ليس بضروري إذا ما تعلمنا كيف نروضه ونتعامل معه , وهنا قد برع مروضي الأسود في اتباع الأسباب وتهيئتها لصالحهم .
ومن كل ما مضى ثبت لدينا أن الخوف شعور قد ينتج ويعيشُ مع المرء لعلمه بمدى الضرر الذي يخفيه له ذلك الشيء الذي يخشاه , فجميعنا يخشى النار لعلمنا بمدى ضررها سواءاً بحادثةٍ شخصية أو من تجارب الآخرين ولكننا جميعا نتعاملُ معها وذلك لاحتياجنا إليها , وهنا بيتُ القصيد وهو أن يستخدم الإنسان عقله في كل شيء ولا يدع الأشياء كمسلّماتٍ حتى يستطيع أن يصيغَ الدنيا كيفما شاء , وهنا يقهرُ الإنسان الخوف بعقله و يسيطر عليه ليحوله إلى طاقةٍ يستعينُ بها على قضاء حوائجه .

 
posted by نبض القلم at ١١:١٧ م | Permalink |


4 Comments:


At ٣٠ أبريل ٢٠٠٧ في ١١:٥٨ م, Anonymous غير معرف

مش هعلق علي الموضوع رغم انه بجد رائع يا امير العاشقين ولكن هعلق علي مدونتك الي بيتهيألي من اللمسات الفنية العالية الي فيها اعتقد انك مدون قديم ولكن انصحك بحاجتين واسف اني بستخدم النصايح رغم انها بتبقا تقيلة حاول تقلل عدد الصور علشان بيتقل المدونة جدا وتاني حاجة حاول تتفاعل مع المواضيع الي تعجبك في المدونات التانية لان دي اكبر طريقة للانتشار

 

At ٤ مايو ٢٠٠٧ في ٩:٢٩ م, Blogger نبض القلم

أخي الكريم " كبير المتشردين " بدايةً أود أن أشكرك على تعليقك واهتمامك , أما عن نصائحك الغالية فأولهما عن استخدام الصور وهذه مسئولية مصمم المدونة صديقي حزمان رغم أنني أرى أن استخدام الصور قد ساهم كثيراً في إظهار المدونة بشكلٍ مقبول وأنه لا مانع منها مادامت تعطي المدونة شكلاً جميلاً , وأما عن تفاعلي مع المدونات الأخرى فهذا تقصيرٌ مني أعلم به ولكني لانشغالي الشديد هذه الأيام لا أستطيع تفاديه فادعو لي بالتوفيق وأن أستطيع أن أتفاعل مع الجميل من إبداعات زملائي المدونين .
وختاما أشكرك للمرة الثانية على تواجدك واهتمامك .

 

At ١٢ فبراير ٢٠٠٩ في ٧:٣٨ م, Anonymous غير معرف

طب والى مش بنخاف منه ولكن بنخاف عليه؟

 

At ١٢ فبراير ٢٠٠٩ في ٧:٤١ م, Anonymous غير معرف

طب والى مش بنخاف منه ولكن بنخاف عليه؟